فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



والمقصود: بيان البَون بين حالي المسلمين والمشركين بذكر التفاوت بين حالي مصيرهما المقرر في قوله: {إن الله يدخل الذين آمنوا وعمل الصالحات جناتٍ} [الحج: 23] إلى آخِره. ولذلك لم يترك ذكر أصحاب الجنّة وأصحاب النار في خلال ذكر الجنة والنار فقال: {مثل الجنة التي وُعد المتقون} وقال بعده {كمن هو خالد في النار}.
ولقصد زيادة تصوير مكابرة من يُسَوِّي بين المتمسك ببينةِ ربه وبين التابع لهواه. أي هو أيضًا كالذي يسوي بين الجنّة ذات تلك الصفات وبين النار ذاتتِ صفاتتٍ ضدها.
وفيه اطراد أساليب السورة إذ افتتحت بالمقابلة بين الذين كفروا والذين آمنوا. وأعقب باتباع الكافرين الباطل واتباع المؤمنين الحق. وثُلّثَ بقوله: {أفمن كان على بيّنة من ربّه} الخ.
والمثل: الحال العجيب.
وجملة {فيها أنهار} وما عطف عليها تفصيل للإجمال الذي في جملة {مَثل الجنة}. فهو استئناف. أو بدل مفصَّل من مجمل على رأي من يثبته في أنواع البدل.
والأنهار: جمع نهْر. وهو الماء المستبحر الجاري في أخدود عظيم من الأرض. وتقدم في قوله تعالى: {قال إن الله مبْتلِيكم بنهَر} في سورة البقرة (249).
فأما إطلاق الأنهار على أنهار الماء فهو حقيقة. وأما إطلاق الأنهار على ما هو من لبن وخَمر وعَسل فذلك على طريقة التشبيه البليغ. أي مماثلة للأنهار. فيجوز أن تكون المماثلة تامة في أنها كالأنهار مستبحرة في أخاديد من أرض الجنة فإن أحوال الآخرة خارقة للعادة المعروفة في الدنيا. فإن مرأى أنهار من هذه الأصناف مرأى مُبهج.
ويجوز أن تكون مماثلة هذه الأصناف للأنهار في بعض صفات الأنهار وهي الاستبحار.
وهذه الأصناف الخمسة المذكورة في الآية كانت من أفضل ما يتنافسون فيه ومن أعزّ ما يتيسر الحصو ل عليه. فكيف الكثير منها. فكيف إذا كان منها أنهار في الجنة.
وتناول هذه الأصناف من التَفَكُّهِ الذي هو تنعم أهل اليسار والرفاهية.
وقد ذكر هنا أربعة أشربة هي أجناس أشربتهم. فكانوا يستجيدون الماء الصافي لأن غالب مياههم من الغُدران والأحواض بالبادية تمتلىء من ماء المطر أو من مرور السيو ل فإذا استقرت أيامًا أخذت تتغير بالطحلب وبما يدخل فيها من الأيدي والدلاء. وشرب الوحوش وقليلٌ البلاد التي تكون مجأو رة الأنهار الجارية.
وكذلك اللبن كانوا إذا حلبوا وشربوا أبقوا ما استفضلوه إلى وقت آخر لأنهم لا يحلبون إلا حَلْبة واحدة أوحلْبتين في اليوم فيقع في طعم اللبن تغيير.
فأما الخمر فكانت قليلة عزيزة عندهم لقلة الأعناب في الحجاز إلا قليلًا في الطائف. فكانت الخمر تجتلب من بلاد الشام ومن بلاد اليمن. وكانت غالية الثمن وقد ينقطع جلبها زمانًا في فصل الشتاء لعسر السير بها في الطرق وفي أوقات الحروب أيضًا خوف انتهابها.
والعسل هو أيضًا من أشربتهم. قال تعالى في النحل (69) {يَخرج من بطونها شَراب مختلف ألوانه} والعرب يقولون: سقاه عسلًا. ويقولون: أطعمه عسلًا.
وكان العسل مرغوبًا فيه يجتلب من بلاد الجبال ذات النبات المستمر.
فأما الثمرات فبعضها كثير عندهم كالتمر وبعضها قليل كالرمان.
والاسِن: وصف من أسَن الماء من باب ضرب ونصر وفرح. إذا تغيّر لونه.
وقرأه ابن كثير {أسِنٍ} بدون ألف بعد الهمزة على وزن فَعِلٍ للمبالغة.
والخمر: عصير العنب الذي يترك حتى يصيبه التخمر وهو الحموضة مثل خمير العجين.
و{لَذَة} وصفٌ وليس باسم. وهو تأنيث اللذّ. أي اللذيذ قال بشار:
ذكرت شبابي اللذّ غير قريب ** ومجلس لهوطاب بين شروب

واللّذاذة: انفعال نفساني فيه مسرة. وهي ضد الألم وأكثر حصو له من الطعوم والأشربة والملامس البدنية. فوصف خمر هنا بأنها {لذة} معناه يجد شاربها لذاذة في طعمها. أي بخلاف خمر الدنيا فإنها حريقة الطعم فلولا ترقب ما تفعله في الشارب من نشوة وطرب لما شربها لحُموضة طعمها.
والعسل المصفى: الذي خُلِّص مما يخالط العسل من بقايا الشمع وبقايا أعضاء النحل التي قد تموت فيه. وتقدم الكلام على العسل وتربيته في سورة النحل.
ومعنى {من كلّ الثمرات} أصناف من جميع أجناس الثمرات. فالتعريف في {الثمرات} للجنس. و{كُلّ} مستعملة في حقيقتها وهو الإحاطة. أي جميع ما خلق الله من الثمرات مما علموه في الدنيا وما لم يعلموه مما خلقه الله للجنة.
و{مِن} تبعيضية. وهذا كقوله تعالى: {فيهما من كل فاكهة زوجان} [الرحمن: 52].
و{مغفرة} عطف على {أنهار} وما بعده. أي وفيها مغفرة لهم. أي تجاوز عنهم. أي إطلاق في أعمالهم لا تكليف عليهم كمغفرته لأهل بدر إذ بينت بأن يعملوا ما شاؤوا في الحديث «لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم» وقد تكون المغفرة كناية عن الرضوان عليهم كما قال تعالى: {ورضوان من الله أكبر} [التوبة: 72].
وتقدير المضاف في {مثله} ظاهر للقرينة.
وقوله: {وسُقوا ماءً حميعًا} جيء به لمقابلة ما وصف من حال أهل الجنة الذي في قوله: {فيها أنهار من ماء غير آسن} إلى قوله: {من كل الثمرات}. أي أن أهل النار محرومون من جميع ما ذكر من المشروبات.
وليسوا بذائقين إلا الماء الحميم الذي يقطع أمعاءهم بفور سقيه.
ولذلك لم يعرج هنا على طعام أهل النار الذي ذكر في قوله تعالى: {لاكلون من شجر من زقوم فمالئون منها البطون فشاربون عليه من الحميم} [الواقعة: 52 54] وقوله: {أذلك خير نُزُلًا أم شجرة الزقوم} [الصافات: 62] إلى قوله: {فإنهم لاكلون منها فمالئون منها البطون ثم إن لهم عليها لشوبا من حميم} [الصافات: 66 67].
وضمير {سقوا} راجع إلى {من هو خالد في النار} باعتبار معنى (من) وهو الفريق من الكافرين بعد أن أعيد عليه ضمير المفرد في قوله: {هوخالد}.
والأمعاء: جمع مِعًى مقصورًا وبفتح الميم وكسرها. وهو ما ينتقل الطعام إليه بعد نزوله من المعدة.
ويسمى عَفِج بوَزن كَتِف. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال مجد الدين الفيروزابادي:
بصيرة في مثل:
المِثْل والمَثَل والمَثِيل. كالشِبْه والشَبَه والشبيه لفظا ومعنًى. والجمع: أَمثال.
والمَثَل- محركة: الحديث.
وقد مثَّل به وامتثله وتمثَّله وتمثَّل به.
وقد يعبّر بالمَثَل والشَبَه عن وصف الشىء؛ نحو قوله تعالى: {مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ}.
وقد يستعمل المِثْل عبارة عن المشابه لغيره في معنى من المعانى. أَىَّ معنى كان.
وهوأَعمّ الأَلفاظ الموضوعة للمشابهة؛ وذلك أَن النِدّ يقال فيما يشاركه في الجوهريّة فقط. والشكل يقال فيما يشاركه في القَدْر والمساحة. والشِبْه يقال فيما يشاركه في الكيفيّة فقط. والمساوى يقال فيما يشاركهُ في الكميّة فقط. والمِثْل عامّ في جميع ذلك.
ولهذا لمَّا أَراد الله نفى التشبيه من كل وجه خصّه بالذِكر فقال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}.
وأَمَّا الجمع بين الكاف والمِثْل فقد قيل: ذلك لتأْكيد النفى. تنبيها على أَنه لا يصح استعمال المِثْل ولا الكاف. فنفى بليس الأَمرين جميعًا.
وقيل: المِثل هاهنا بمعنى الصفة. ومعناه: ليس كصفته صفة. تنبيها على أَنّه وإِن وُصف بكثير ممَّا يوصف به البَشَر فليس تلك الصفات له على حَسَب ما يُستعمل في البَشَر.
والمَثَل: عبارة عن قول في شىء يشبه قولا في شىء آخر بينهما مشابهة. ليبيِّن أَحدهما الآخر. ويصوّره. نحو قولهم: الصيفَ ضيَّعتِ اللَبَنَ؛ فإِن هذا القول يشبه قولك: أَهملت وقت الإِمكان أَمرَكِ.
وعلى هذا الوجه ما ضرب الله تعالى من الأَمثال فقال: {وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}. {وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ الْعَالِمُونَ}.
والمُثُو ل: الأنتصاب.
والتَمثال- بالفتح: التمثيل.
والتِمثال- بالكسر: الصورة.
ومثَّله له: صوّرهُ.
وتمثل: تصوَّر.
قال تعالى: {فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا} وتَمثَّل بالشىءِ: ضربه مَثَلًا.
وقوله تعالى: {لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخرة مَثَلُ السَّوْءِ وللَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى} أَى لهم الصفات الذميمة. ولله الصفات العلى.
وقد منع الله تعالى عن ضرب الأَمثال بقوله: {فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلَّهِ الأَمْثَالَ}. ثم أَخبر أَنه يضرب لنفسه المَثَل. ولا يجوز لنا أَن نقتدى به في ذلك وقال: {إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ}؛ ثم ضرب لنفسه مَثَلًا فقال: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَّمْلُوكًا لاَّ يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ} الآية.
وفى هذا تنبيه أَنه لا يجوز أَن نصفه بصفة ممَّا يوصف به البشر إِلاَّ ما وصف به نفسه.
وقوله: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُواْ التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا}. أَى هم في جهلهم بمضمون حقائِق التوارة كالحمار في جهله بما على ظهره من الأَسفار.
وقوله: {فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ} فإِنه شبهه في ملازمته واتّباع هواه وقلَّة مزايلته بالكلب الذي لا يزايل اللهْث على جميع الأَحوال.
وقوله: {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا}. شبّه من اتاه الله ضربًا من الهداية والمعاون فأَضاعه ولم يتوصَّل به إِلى ما رُشِّح له من نعيم الأَبد. بمن استوقد نارًا في ظلمة. فلما أَضاءَت له ضيَّعها ونُكس فعاد في الظلمة.
وقوله: {وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَاءً وَنِدَاءً}. فإِنه قصد تشبيه المدعوبالغنم التي يُنعق بها. وداعيهم بالناعق بالغنم. فأَجمل وراعى مقابلة المعنى دون مقابلة اللفظ؛ وبسط الكلام وحاصله: مَثَلُ داعى الذين كفروا والذين كفروا كمثل الذي ينَعق بالغنم ومثلِ الغنم التي لا تسمع إِلاَّ دعاء ونداء.
والمُثْلة- بالضمّ- والمَثْلة والمَثُلة: نِقمة تنزل بالإنسان فيُجعل مثالًا يَرتدع به غيره وذلك كالنَكَال. وجمعه: مُثْلات ومَثُلات. وقرئ (المَثْلات) بإِسكان الثاء على التخفيف؛ نحوعَضْد في عَضُد.
والأَماثل: يقال من هم أَشبه بالأَفاضل وأَقرب إِلى الخير.
وأَماثل القوم: خيارهم. وعلى هذا قوله تعالى: {إِذْ يَقول أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً}.
وقوله تعالى: {وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى} أَى الأَشبه بالفضيلة. وقيل: أَشبه بالحق. وهى تأْنيث الأَمثل. وقيل: أَمثلهم طريقة أَى أَعدلهم وأَشبههم بأَهل الحق. وقيل: أَعلمهم عند نفسه بما يقول.
والمَثَالة: الفضل.
وقد مَثُل- ككرم: صار فاضلا. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

قال الشنقيطي:
قوله تعالى: {فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسن وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفّىً}.
هذه الآية الكريمة تدل على تعدد الأنهار مع تعدد أنواعها. وقد جاءت آية أخرى يوهم ظاهرها أنه نهر واحد وهي قوله تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ} وقد تقدم الجمع واضحا في سورة البقرة في الكلام على قوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنّ} الآية. وبينا أن قوله: {وَنَهَرٍ} يعني أنهار. اهـ.

.تفسير الآيات (16- 19):

قوله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قالوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قال آنفًا أولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهواءَهُمْ (16) وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وآتاهم تَقْوَاهُمْ (17) فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ (18) فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وللْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ (19)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كان التقدير بعد هذا التمثيل والوصف والتشويق الذي يبهر العقول: فمن الناس من يسمع منك بغاية المحبة والأنصاف فيعليه الله بفهم ما يتلوه واعتقاده والعمل به واعتماده وهم المتقون الذين وعدوا الجنة. عطف عليه قوله تعالى: {ومنهم من يستمع} أي بغاية جهده لعله يجد في المتلومطعنًا يشك به على الضعفاء. وبين تعالى بعدهم بقوله: {إليك} ولما أفرد المستمع نظرًا إلى لفظ (من) إشارة إلى قلة المستمع جمع نظرًا إلى معناه إشارة إلى كثرة المعرضين الجامدين المستهزئين من المستمعين منهم والسامعين فقال تعالى: {حتى} أي واستمر إجهادهم لأنفسهم بالإصغاء حتى {إذا خرجوا} أي المستمعون والسامعون جميعًا {من عندك قالوا} أي الفريقان عمى وتعاميا واستهزاء.
ولما كان مجرد حصو ل العلم النافع مسعدًا. أشار إلى تعظيمه ببنائه لما لم يسم فاعله فقال تعالى: {للذين أوتوا العلم} أي بسبب تهيئة الله لهم بما اتاهم من صفاء الأفهام لتجردهم عن النفوس والحظوظ وانقيادهم لما تدعوا إليه الفطرة الأولى: {ماذا قال} أي النبي صلى الله عليه وسلم {آنفًا} أي قبل افتراقنا وخروجنا عنه من ساعة- أي أول وقت- تقرب منه. من أنفة الصلاة- بالتحريك. وهو ابتداؤها وأولها. قال أبو حيان: حال. أي مبتدئًا. أي ما القول الذي ائتنفه الأن قبل انفصالنا عنه.
ورد كونه ظرفًا بأنه تفسير معنى. وأنه لا يعلم أحدًا من النحاة عده في الظروف.
وقال البغوي: ائتنفت الأمر: ابتدأته. وأنف الشيء أوله. قال مقاتل: وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب ويعيب المنافقين. فإذا خرجوا من المسجد سألوا عبد الله بن مسعود- رضى الله عنه- استهزاء: ماذا قال محمد صلى الله عليه وسلم؟ قال ابن عباس- رضى الله عنه: وقد سئلت فيمن سئل.
ولما دل هذا من المصغي ومن المعرض على غاية الجمود الدال على غاية الشقاء. أنتج قوله: {أولئك} أي خاصة هؤلاء البعداء من الفهم ومن كل خير {الذين طبع الله} أي الملك الأعظم الذي لا تناهي لعظمه جل وعلا {على قلوبهم} أي فلم يؤمنوا ولم يفهموا فهم الأنتفاع لأن مثل هذا الجمود لا يكون إلا بذلك.